في ورشة العمل التي نظّمها مركز البحوث SETA في يونيو 2022، التي قمتُ بتنسيقها تحت عنوان: ”السياسات الاجتماعية تجاه الأسرة والمرأة والطفل“، كانت النتائج الرئيسة التي تُوصِّل إليها هي أن نهج السياسات المتعلقة بالمرأة والأسرة في تركيا، سواء على مستوى المؤسسات أم منظمات المجتمع المدني (STK) والأكاديميين والمجتمع، على الرغم من الاعتراف بإجراء العديد من الدراسات الشاملة- ”تتميز بطابع استقطابي، ولا يمكن أن تتطور إلى مجال توافق مشترك، والمشكلة الأساسية المتعلقة بالمرأة والأسرة هي أنها تناقش من منظور أيديولوجي بشكل لا يصدّق“. وقد أُكِّد بشكل خاص أهمية الاختلافات في التصورات والعقليات، ولاسيّما المصطلحات والمفاهيم غير المحددة. في الآونة الأخيرة، تحقق القيام بأعمال مهمّة، وتحققت تطورات يمكن عدّها جديدة في تاريخ تركيا، ولاسيّما في مجال حقوق المرأة وتكافؤ الفرص، ومع ذلك، لا يزال عدم التوصل إلى أرضية مشتركة بشأن الثنائيات التي يجري تضخيمها، ولاسيما فيما يتعلق بالمرأة والأسرة، يمثل انعكاسًا لثنائيات متعارضة راسخة في المجتمع، ولخطاب الثقافة المهيمنة في الذاكرة الجماعية.
كثيرًا ما أكدت حكومات حزب العدالة والتنمية في خطاباتها أهمية الأسرة من خلال الإشارات التاريخية والدينية والوطنية والثقافية، ولاسيما في الفترة 2002-2011، حيث اتبعت نهجًا في السياسات الاجتماعية شجع بشكل أكبر على توظيف النساء، وأعطى الأولوية لضمان المساواة بين الجنسين في الفرص، واتخذ خطوات لمنع العنف ضد المرأة وتوسيع حقوقها. خلال هذه الفترة، لُوحِظ أن السياسات الاجتماعية المتعلقة بالأسرة والطفل طُبِّقت من خلال النساء، ولم تُجْرَ دراسات كافية حول كيفية تعريف الأسرة وإدراجها في هذه السياسات؛ أي أن تعريف الأسرة وعدّها مقدسة يبدو أنه قُبِل بوصفه عنصرًا أساسيًّا في سياسات الدولة، كما هو الحال في معظم الدول القومية، ولكن بعد أن بدأ عمل حزب العدالة والتنمية الذي يمثل شريحة مهمة من المجتمع، ومع ظهور التحول الاجتماعي في العديد من المجالات، بدأ التركيز بشكل أكبر على الأسرة من خلال نهج يهدف إلى حمايتها بدءًا من عام 2011.
من هذا المنظور، لم تُوضَع سياسة اجتماعية مباشرة تركز على الأسرة بين عامي 2002 و2011. ولكن بدءًا من عام 2011، عادت فكرة الرفاه الاجتماعي إلى الظهور، وحُدِّد نهج للتنمية الاجتماعية بناءً على بيانات شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد والطلاق، وبدأت الخطابات تعكس نهجًا يشجع على الزواج والإنجاب، وفعلًا تحقّق في عام 2011 إغلاق وزارة شؤون المرأة والأسرة، واستُبدِلت بها وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية؛ ولأنّ زيادة توظيف النساء كان أحد الأهداف الرئيسة، فقد دُمِجت هذه المؤسسة في عام 2018 بوزارة العمل والضمان الاجتماعي لتصبح وزارة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية، ثم جرى تغيير اسمها مرة أخرى في 21 أبريل 2021 مع إنشاء وزارة العمل والضمان الاجتماعي لتصبح وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية Kوقد أمكن توحيد ”المديرية العامة للأسرة والخدمات الاجتماعية“ و”المديرية العامة لوضع المرأة“ و”المديرية العامة لخدمات الطفل“ تحت مظلة وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية بوصفها وحدات منفصلة تعمل في مجالات الأسرة والمرأة والطفل.
في هذه المرحلة، عُدَّت أعمال كثيرة مما تحقق تنفيذها حتى عام 2011 إيجابية، ولكن توجيهات الحكومة لتشجيع الزواج والإنجاب بدأت تُفسّر على أنها ضغط أيديولوجي ”محافظ“، وهذا أدّى إلى إهمال العديد من الأعمال التي جرى القيام بها في مجال حقوق المرأة ووجودها في المجال الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، تزامنًا مع هذا الخطاب، قوبلت إزالة كلمة ”المرأة“ من اسم الوزارة التي أُنشِئت بدلًا من وزارة شؤون المرأة والأسرة، واحتفاظها بكلمة ’الأسرة‘ فقط، بردود فعل سلبية من قبل مختلف المنظمات غير الحكومية النسائية والأكاديميين وأحزاب المعارضة وبعض المجموعات المختلفة في تركيا، وعُدّ ذلك من قبيل ”محو اسم المرأة من السياسات الاجتماعية“.
وقد أدى بروز نهج ”المرأة القوية والأسرة القوية والمجتمع القوي“ بعد عام 2011، في إطار تعزيز دور الأسرة، إلى إضعاف المطالبة بإعطاء الأولوية لحقوق أفراد الأسرة الآخرين، ولاسيّما النساء والأطفال، ودعمهم. في هذا السياق، فإن عدم التعبير بوضوح عن السياسات المتعلقة بالأسرة حتى الآن، بسبب التوقعات الأيديولوجية المسبقة، يفتح باب النقاش حول أن السياسات المتعلقة بالمرأة لم تُقبل إلا من خلال حماية الأسرة، وأن منع العنف ليس أولوية من أجل الحفاظ على حقوق المرأة، بل من أجل الحفاظ على النظام القائم على الأسرة. ومن هنا، فإن الجهود المبذولة لتمكين المرأة من الحضور في المجال العام من خلال إجراءات لم يسبق لها مثيل في تاريخ تركيا- أُسبِغَ عليها الغموض بافتراض أن المرأة تُعرّف فقط على أنها مركز الأسرة، وعلى الرغم من تقدير المكاسب التي تحققت، فقد قيل: إن هذا النهج أدى إلى ظهور مشكلات في التنفيذ والاستدامة. والأهم من ذلك هو أن الإجراءات الشاملة التي يمكن اتخاذها بالتعاون بين منظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والمؤسسات العامة والقطاع الخاص قد جرت عرقلتها.
في هذه الحالة، جُرَّ موضوع المرأة والأسرة إلى أرضية حساسة، وتحول الموضوع الأساسي من إجراء تحسينات منهجية في مجال المرأة أو الأسرة إلى نقاش حول أي النهج الأيديولوجي يجب أن يكون سائدًا. ولهذا السبب، تبرز سياسات المرأة والأسرة بوصفها أحد المجالات التي كان من الصعب للغاية التوصل إلى أرضية مشتركة خلال فترة حكم أحزاب العدالة والتنمية. في الواقع، بدأت تظهر في المجتمع المتعدد الطبقات والهويات، من خلال إنتاج خطابات سلطوية مختلفة، ثنائيات المحافظين والليبراليين، والتقليديين والمعاصرين، والمتدينين والعلمانيين، التي تنتشر من خلال إنتاج المعرفة، بشكل أكبر في قضايا المرأة والأسرة.